من نيكسون إلى شاه إيران... سهير زكي الراقصة والسياسي
يبدو أن رجال السياسة الأميركيين غالباً متيّمون بالرقص الشرقي، وكثيراً ما كانت لهم مواقف مع الأسماء الكبيرة في هذا العالم الصاخب على النحو الذي رأيناه مع الراحل عن مئة عام، هنري كيسنجر، الذي استعادت الصحافة بعد وفاته ولعه الواضح بالراقصة المصرية نجوى فؤاد التي التقاها أكثر من مرة ورقصت أمامه في مناسبات عديدة...وإذا كان كيسنجر قد افتتن برقص نجوى فؤاد، فإن رئيسه ريتشارد نيكسون كان متيماً براقصة مصرية أخرى كانت في حالة تنافس دائم مع مواطنتها نجوى، هي سهير زكي. وعلى أية حال فإن الراقصات الشرقيات نوعان، أولهما - وهن الغالبية - من يعتمدن على العري وهز الصدور والأرداف، وهن التطور الذي طرأ على "كار" العوالم أو الغوازي بحسب التعبير المصري، أما النوع الثاني فهن اللواتي يفضلن الرقص التعبيري من دون إغفال الأداء الحركي المنضبط للجسد. وربما ساهم في انتشار النوع الأول، بدايات القرن العشرين، وجود المحتل الأجنبي وحضوره الدائم في علب الليل والبارات، فضلاً عن تهافت طبقة الباشاوات وأغنياء الحرب ومن حققوا ثروات طائلة من وراء بيع محصول القطن، على ارتياد الملاهي الليلية، هذا النوع الذي كانت تمثله كل من شفيقة القبطية وبمبه كشر ونبوية مصطفى على وجه الخصوص، فيما كان الرقص التعبيري وملء الفراغ المسرحي هو اللون الذي دشنته بديعة مصابني ومن تتلمذّن على يديها أو انتمَين إلى هذا الجيل الذي كانت من أبرز نجماته تحية كاريوكا وسامية جمال ونعيمة عاكف.
غير أنه مع توقف هذا الجيل عن الرقص لأسباب مختلفة، حدث ما يمكن اعتباره فراغاً في مجال الرقص التعبيري أو ربما كانت ردّة عن التيار الذي ظل سائداً حتى مطلع الستينيات من القرن الماضي، لتظهر من جديد مجموعة من الراقصات أعدن الاعتماد على مفاتن الجسد أكثر من أي شيء آخر، أمثال ناهد صبري، قطقوطة، ونعمت مختار. وبينهن، كان هناك تيارٌ يحاول المقاومة والاستمساك بتقاليد الرقص التعبيري على النحو الذي أرسته بديعة مصابني، مثل سهير زكي ونجوى فؤاد، وثالثتهما الراقصة هالة الصافي التي اعتزلت باكراً لأسباب دينية مفاجئة. كانت عواطف عجمي، أو نجوى فؤاد ذات الأصول الغزاوية، سباقة في الظهور منذ العام 1958 التي سرعان ما تشتت تركيزها بين الرقص والتمثيل للسينما، فيما كانت سهير زكي التي ظهرت بعدها بسنوات تبدي انتباهاً أكثر لترسيخ دعائم وجودها في ساحة الرقص الشرقي مع بدايات الستينيات، وحتى حينما ظهرت في السينما العام 1963 في فيلم "عائلة زيزي" للمخرج فطين عبد الوهاب وبطولة سعاد حسني، كان من خلال تابلوه راقص لم يستغرق على الشاشة أكثر من ثلاث دقائق، لكنه كان كفيلاً بالإشارة إلى الأسلوب الذي تنتهجه هذه الراقصة، وربما هذا هو الذي دعاها إلى تكرار التجربة في معظم الأفلام التي ظهرت فيها، ولم تتنازل من خلالها عن دور الراقصة الذي يتيح لها تقديم تلك التابلوهات التي تفضلها. وحتى حينما أُسندت إليها أدوار تمثيلية لم يخلُ الأمر من بعض الرقصات على النحو الذي رأيناه في فيلم "مطلوب زوجة فوراً" من إخراج محمود فريد العام 1963 قبل أن تقدّم دورها المهم في تلك الفترة في فيلم "أنا وهو وهي" العام التالي مباشرة من إخراج مكتشفها سينمائياً المخرج فطين عبد الوهاب، وهو دور استُحدث لها خصيصاً رغم أنه لم يكن له وجود في العمل المسرحي الذي أخذت عنه قصة الفيلم، ثم أتبعته بدور لافت في فيلم "مدرس خصوصي" العام 1965 من إخراج أحمد ضياء الدين، ويعود للمخرج إبراهيم عمارة بعد ذلك لإعادة تقديمها كممثلة في أكثر من عمل ربّما أشهرها على الإطلاق فيلم "من أجل حفنة أولاد" سنة 1969 أمام رشدي أباظة، وأتبعه بفيلم "مدرستي الحسناء" أمام هند رستم.
وبعيداً من السينما، حققت سهير زكي خلال عقدي الستينيات والسبعينيات شهرة واسعة، حتى أن أفراح الطبقة الراقية في مصر والعالم العربي، كانت تحدّد مواعيدها وفق روزنامة ارتباطاتها الفنية، فضلاً عن أنها أضحت راقصة الملوك والرؤساء، فهي التي أحيت حفلتي زفاف منى وهدى، كريمتي الرئيس عبد الناصر، وحفلات زفاف كل بنات الرئيس أنور السادات، كما رقصت أمام معظم ضيوف مصر من الرؤساء، وعلى رأسهم الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون أثناء زيارته الاولى لمصر سنة 1974 فأبدى إعجاباً خاصاً برقصاتها وبسحر الشرق الذي تمثله، وظلّت ذكرى هذا اللقاء ماثلة في ذهنه حسبما صرح لاحقا لبعض الساسة المصريين. كما كانت لها الحظوة لدى شاه إيران السابق، محمد رضا بهلوي، إذ تعدّدت زياراتها للعاصمة الإيرانية طهران قبل سنة 1979 العام الذي سقط فيه حكم أسرة آل بهلوي، ويقال إنها كانت تلعب أدواراً سياسية خفية في تبادل الرسائل بين قادة المنطقة بحكم اقترابها من قصور هؤلاء الحكام. وقد نُسجت قصص وهمية حول معارك لها مع أم كلثوم، بسبب رقصها على أنغام أغانيها الشهيرة، خصوصاً "أنت عمري"، بينما واقع الأمر أن لا أم كلثوم ولا عبد الحليم حافظ كانا يمانعان رقصها على أنغام أغانيهما، لا سيما تلك التي من ألحان محمد عبد الوهاب وبليغ حمدي، إذ كانا يعتبران ذلك نوعاً من تأكيد شهرة هذه الأغنيات وذيوعها.وفي العام 1984، وقتما كانت في التاسعة والثلاثين من عمرها، قررت سهير زكي اعتزال الحياة الفنية رقصاً وتمثيلاً، بعد مشاركتها في فيلم "أنا اللي أستاهل" من إخراج حسن الصيفي، والتفرغ لتربية ابنها محمد وإشباع هوايتها في تربية المواشي والطيور. وقد زرتها في منزلها في منطقة الهرم بعد ذلك القرار بثلاث سنوات تقريباً، في لقائي الوحيد معها، وسألتها عن أسباب أعتزالها الفن في تلك السن المبكرة نسبياً، لا سيما أنه تزامن مع موجة اعتزال الفنانات لاسباب دينية، فأكدت لي أن أسبابها شخصية وليست دينية على الإطلاق، لا سيما بعدما كبر ابنها وأصبح له أصدقاء في المدرسة، وهي لا تريد أن يسمع من أحدهم كلمة تؤذيه عن مهنة والدته، رغم أنها تؤمن تماماً بأنها لم تكن تقدّم ما تخجل منه. ونفت لي في تلك الزيارة، الرواية الغريبة التي تردّدت عن سؤالها للداعية محمد الشعراوي عن حرمانية الرقص وفي صدرها سلسلة تحمل المصحف الشريف، مؤكدة أنها ليست بتلك السذاجة كي تسأل مثل هذا السؤال، وأضافت أنها سعيدة بهذه الحياة الأسرية الهادئة بعيداً من أية ارتباطات فنية، ويكفيها ما قدمته للفن، وأنها اختارت الوقت المناسب للاعتزال.
غير أنه مع توقف هذا الجيل عن الرقص لأسباب مختلفة، حدث ما يمكن اعتباره فراغاً في مجال الرقص التعبيري أو ربما كانت ردّة عن التيار الذي ظل سائداً حتى مطلع الستينيات من القرن الماضي، لتظهر من جديد مجموعة من الراقصات أعدن الاعتماد على مفاتن الجسد أكثر من أي شيء آخر، أمثال ناهد صبري، قطقوطة، ونعمت مختار. وبينهن، كان هناك تيارٌ يحاول المقاومة والاستمساك بتقاليد الرقص التعبيري على النحو الذي أرسته بديعة مصابني، مثل سهير زكي ونجوى فؤاد، وثالثتهما الراقصة هالة الصافي التي اعتزلت باكراً لأسباب دينية مفاجئة. كانت عواطف عجمي، أو نجوى فؤاد ذات الأصول الغزاوية، سباقة في الظهور منذ العام 1958 التي سرعان ما تشتت تركيزها بين الرقص والتمثيل للسينما، فيما كانت سهير زكي التي ظهرت بعدها بسنوات تبدي انتباهاً أكثر لترسيخ دعائم وجودها في ساحة الرقص الشرقي مع بدايات الستينيات، وحتى حينما ظهرت في السينما العام 1963 في فيلم "عائلة زيزي" للمخرج فطين عبد الوهاب وبطولة سعاد حسني، كان من خلال تابلوه راقص لم يستغرق على الشاشة أكثر من ثلاث دقائق، لكنه كان كفيلاً بالإشارة إلى الأسلوب الذي تنتهجه هذه الراقصة، وربما هذا هو الذي دعاها إلى تكرار التجربة في معظم الأفلام التي ظهرت فيها، ولم تتنازل من خلالها عن دور الراقصة الذي يتيح لها تقديم تلك التابلوهات التي تفضلها. وحتى حينما أُسندت إليها أدوار تمثيلية لم يخلُ الأمر من بعض الرقصات على النحو الذي رأيناه في فيلم "مطلوب زوجة فوراً" من إخراج محمود فريد العام 1963 قبل أن تقدّم دورها المهم في تلك الفترة في فيلم "أنا وهو وهي" العام التالي مباشرة من إخراج مكتشفها سينمائياً المخرج فطين عبد الوهاب، وهو دور استُحدث لها خصيصاً رغم أنه لم يكن له وجود في العمل المسرحي الذي أخذت عنه قصة الفيلم، ثم أتبعته بدور لافت في فيلم "مدرس خصوصي" العام 1965 من إخراج أحمد ضياء الدين، ويعود للمخرج إبراهيم عمارة بعد ذلك لإعادة تقديمها كممثلة في أكثر من عمل ربّما أشهرها على الإطلاق فيلم "من أجل حفنة أولاد" سنة 1969 أمام رشدي أباظة، وأتبعه بفيلم "مدرستي الحسناء" أمام هند رستم.
وبعيداً من السينما، حققت سهير زكي خلال عقدي الستينيات والسبعينيات شهرة واسعة، حتى أن أفراح الطبقة الراقية في مصر والعالم العربي، كانت تحدّد مواعيدها وفق روزنامة ارتباطاتها الفنية، فضلاً عن أنها أضحت راقصة الملوك والرؤساء، فهي التي أحيت حفلتي زفاف منى وهدى، كريمتي الرئيس عبد الناصر، وحفلات زفاف كل بنات الرئيس أنور السادات، كما رقصت أمام معظم ضيوف مصر من الرؤساء، وعلى رأسهم الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون أثناء زيارته الاولى لمصر سنة 1974 فأبدى إعجاباً خاصاً برقصاتها وبسحر الشرق الذي تمثله، وظلّت ذكرى هذا اللقاء ماثلة في ذهنه حسبما صرح لاحقا لبعض الساسة المصريين. كما كانت لها الحظوة لدى شاه إيران السابق، محمد رضا بهلوي، إذ تعدّدت زياراتها للعاصمة الإيرانية طهران قبل سنة 1979 العام الذي سقط فيه حكم أسرة آل بهلوي، ويقال إنها كانت تلعب أدواراً سياسية خفية في تبادل الرسائل بين قادة المنطقة بحكم اقترابها من قصور هؤلاء الحكام. وقد نُسجت قصص وهمية حول معارك لها مع أم كلثوم، بسبب رقصها على أنغام أغانيها الشهيرة، خصوصاً "أنت عمري"، بينما واقع الأمر أن لا أم كلثوم ولا عبد الحليم حافظ كانا يمانعان رقصها على أنغام أغانيهما، لا سيما تلك التي من ألحان محمد عبد الوهاب وبليغ حمدي، إذ كانا يعتبران ذلك نوعاً من تأكيد شهرة هذه الأغنيات وذيوعها.وفي العام 1984، وقتما كانت في التاسعة والثلاثين من عمرها، قررت سهير زكي اعتزال الحياة الفنية رقصاً وتمثيلاً، بعد مشاركتها في فيلم "أنا اللي أستاهل" من إخراج حسن الصيفي، والتفرغ لتربية ابنها محمد وإشباع هوايتها في تربية المواشي والطيور. وقد زرتها في منزلها في منطقة الهرم بعد ذلك القرار بثلاث سنوات تقريباً، في لقائي الوحيد معها، وسألتها عن أسباب أعتزالها الفن في تلك السن المبكرة نسبياً، لا سيما أنه تزامن مع موجة اعتزال الفنانات لاسباب دينية، فأكدت لي أن أسبابها شخصية وليست دينية على الإطلاق، لا سيما بعدما كبر ابنها وأصبح له أصدقاء في المدرسة، وهي لا تريد أن يسمع من أحدهم كلمة تؤذيه عن مهنة والدته، رغم أنها تؤمن تماماً بأنها لم تكن تقدّم ما تخجل منه. ونفت لي في تلك الزيارة، الرواية الغريبة التي تردّدت عن سؤالها للداعية محمد الشعراوي عن حرمانية الرقص وفي صدرها سلسلة تحمل المصحف الشريف، مؤكدة أنها ليست بتلك السذاجة كي تسأل مثل هذا السؤال، وأضافت أنها سعيدة بهذه الحياة الأسرية الهادئة بعيداً من أية ارتباطات فنية، ويكفيها ما قدمته للفن، وأنها اختارت الوقت المناسب للاعتزال.
كلمات دلالية: كانت الرقص هذا فيلم عبد أكثر تلك زكي |
|
|