بول لينش يفضح التخلّي...ألف حكاية وحكاية من "الديستوبيا" السورية
منطقياً، وافتراضياً، لا بدّ أن يطلع القارئ العربي في أقرب وقت على رواية الإيرلندي، بول لينش، "أغنية نبي" الفائزة بجائزة البوكر لهذا العام، حيث تنشط دور النشر المحلية في اتجاه ترجمة وطباعة الروايات الحاصلة على جوائز، للاستفادة تسويقياً من وهج فوزها، بعد أن تنافست مع غيرها.
لكن هذا العمل، قد يواجه تعثراً بعد إعلان مؤلفه أنه استوحى موضوعه من المأساة السورية، ولاسيما تأثيرات وجود نظام استبدادي متوحش يتحكم بالمجتمع، وتداعي أُمة، تنهار وتتشظى!
التخفف من هذه القصة وتفاصيلها بات -ومنذ سنوات- ملمحاً لا يخفى عند المؤسسات الإعلامية، بعد أن طال وقتها، واشتبكت تفاصيلها الكثيرة ببعضها، حتى أمست معقّدة، غير قابلة للفهم بسرعة، بالنسبة لصحافيين يعانون في الأصل من ضيق الوقت، وكثافة أخبار أخرى قادمة من بؤر متفجرة حول العالم، وتصلهم فوق ذلك، تعليمات عن ضرورة التقليل من أخبار سوريا، طالما أن الحكومات قد قررت في وقت ما أن تعيد نظام البراميل المتفجرة إلى محفلها العربي!
عدوى التخلّص من الحكايات "المكررة"، وصلت منذ فترة طويلة أيضاً إلى دور النشر، وحتى تلك الرصينة والجدية، لم يعد مغرياً بالنسبة لمحرريها أن يعملوا على روايات خاصة بالقصة السورية، يكتبها سوريون أو عرب، إلا تلك التي يصنعها بعض المؤلفين المكرّسين.
لهذا سيرتبك هؤلاء وهم يعاينون رواية بول لينش، ليس فقط لأنه صرح بأن فكرتها جاءت من قصة يحاولون التملص منها، بل لأنها أيضاً تحكي عن واقع مدينة فاسدة، أو ديستوبيا، يواجه فيها المجتمع تنامي التسلط والتحكم بأفراده وحيواتهم ومصائرهم، أي أن ثيمتها لا تبدو مسلية، بالنسبة لقارئ تُظهر المعطيات العامة أنه غير مهتم بالقصص القاتمة!
وتبعاً لهذا سيصبح أمر رواية "أغنية نبي" معقّداً، حيث تجتمع حولها هالات منفّرة كالقمع والحرب! رغم ذلك لن يخلو الأمر من ناشر ذكي وحصيف يُقلّب الأمور من أوجه عديدة، فيرى أن هذه الرواية يجب أن تترجم بحِرَفية، وتسوّق بشكل واسع، لأنها أنموذج عن تأثير صامت، تراكمت نبضاته لسنوات طويلة، لدى المتابعين الغربيين، فتحول مع الوقت، إلى بؤرة درامية فجائعية ثرّة لا تنتهي.
أبناء القضية أنفسهم، ما برحوا يكتبون عن واقعهم المتسع على جوانب كوارث يعيشونها، ولاسيما تلك الخاصة بقصص النزوح واللجوء والمعتقلات، كما أن بعضهم يُظهرون اهتماماً مركزاً على الإطار العام، والذي يمكن اعتباره ديستوبيا حقيقية، ولاسيما تركيبة النظام الشمولي، ولعل أهم مثال معروف عن هذا، ما صنعه الروائي فواز حداد في رواياتها الأخيرة ومنها "جمهورية الظلام" الصادرة هذا العام، وفي الوقت نفسه هناك فئات أخرى من الكتاب تتجاهل الواقع، وتتغرب عنه، لا يدقق أفرادها في المعطى الكامن وراء تفاصيله، وربما لن يثيرهم ما قاله بول لينش، بعد أن أغلقوا نوافذ عقولهم عن المشكلة كلها.
جسم الفضاء العام في منطقة الشرق الأوسط، وبسبب أزماته المزمنة يمكنه أن يلبس أي سيناريو نمطي متخيل، يتعلق بالأعمال الإرهابية، والتجسس، وغير ذلك، ولاسيما تلك الروايات البوليسية الشعبية.
لكن مقابل بعض النتاجات ذات السوية الهابطة، هناك بعضهم، وبعد نظرات متعمقة، ومن خلال حساسيات عالية، يجدون أن الجانب الأهم من القصة السائدة، إنما هو استمرار وجود النظام القمعي، وإفلاته من العقاب، وتسببه بأزمات حقيقية للمجتمعات الغربية بسبب استمرار تدفق اللاجئين القادمين من بلاد يحكمها أو يؤثر فيها، ينتج عنها تحولٌ في المزاج السياسي نحو اليمين المتطرف، الذي لا يمتلك حلولاً ناجزة للمشاكل سوى زيادة سيطرة أجهزة الدولة القمعية على المجتمعات، وهذا ما يحصل فعلياً في الدول الأوروبية حالياً! الأمر الذي يقود إلى تصور صيغة العدوى التي تنشرها حول العالم بؤرة واحدة، مستمرة واقعياً، وليس خيالياً، هي ديستوبيا نظام الأسد!
يمكن لمن يبحثون عن ثيمات مختلفة ومثيرة أن يجدوا الكثير منها في حكايا السوريين وبما يجعلها مُلهمة، خاصة وأنها لا تتوقف عند حدود طبيعة النظام السياسي الشمولية، وقصص المعتقلين الدامية، مروراً بالحديث عن الثورة النقية المغدورة، بل بات من الممكن النظر إلى السطح الظاهر حيث الطبيعة المافيوية لحكم العائلة، وتهاوي أحد أجنحتها (عائلة مخلوف) في صراعات داخلية، مقابل تصاعد قوة حكم وسيطرة الزوجة أسماء الأخرس، التي تبدو شرهة للحصول على أموال مواطنيها كلهم!
كما يمكن التوجه إلى حبكات هائلة إذا ما ركز المؤلفون على جدول أعمال المافيا، وتطور خدماتها، من تقديم الخدمات الخاصة لكافة الدول وأصحاب المصالح حول العالم، إلى التمركز على تجارة الكبتاغون تصنيعاً وتجارة!
وفي المحصلة، وبعد أن ظلت حكايات ألف ليلة وليلة لعشرات السنين الأكثر تأثيراً في المخيلة الغربية عن الشرق، صار من الممكن جدياً الحديث عن نبع حكايات لا ينضب اسمه سوريا الأسد!
كلمات دلالية: ولاسيما العام تلك الوقت لهذا حول بالنسبة العالم |
|
|