اللاجئون السوريون: بلديات تمنع تعليمهم ووجودهم.. وعصابات "تتاجر" بفتياتهم
في الشهرين الأخيرين، كان اللّبنانيّ وإذ يُشاهد الواقعة الدمويّة النازلة بأهل غزّة التّي امتدت جنوبًا، فإنّه حتمًا كان يتوجس من المشهد بعيونٍ موقنة أن فرضيّة تحققه في بيروت وضاحيتها وسائر الأراضي اللّبنانيّة، باتت قريبةً أكثر من أي وقتٍ مضى. كان الشارع اللّبنانيّ متململًا ومراقبًا وغاضبًا، ومنخرطًا بالحدث الأبرز إقليميًّا وعالميًّا. فيما تكّيفت أزماته ومشاكله وملفاته السّاخنة مع الوقائع الحربيّة، وتماهت معها.
ولعلّ أبرز مثال لهذا التّماهي كان عودة ملف اللاجئين السّوريّين (الذي وصل ذروته قبل يومين من اندلاع الحرب في قطاع غزّة- راجع "المدن")، ليتصدر واجهة النقاشات التّي صُبت مُجدّدًا لمقارعتهم، واستهلاك هذا الملف اجتماعيًّا واستنزافه سياسيًّا واستغلاله دوليًّا، للتهرب من المأزق اللّبنانيّ المستفحل والمُتأزم. أما الجديد فهو اعتماد الحملات الإعلاميّة التّحريضيّة لمعالجة الملف وإضفاء طابع مؤامرتيّ مفاده اتهام اللاجئين كافة بالتواطؤ مع الإسرائيليّ، في حال توسع رقعة الحرب إلى الداخل اللّبنانيّ، الأمر الذي أجج الغضب الشعبيّ الذي التمس خطرًا وجوديًّا ما، بل وأعطى شرعيةً للمواقف السّياسيّة العنصريّة وحملات التّرحيل الزجريّة المستمرة. فيما تناسل عن هذه العودة المتوقعة للملف مستجدات على مختلف الصُعد، وأهمها: الرسميّ -السّياسيّ، الأمنيّ -القضائيّ وكذلك الشعبيّ.المستجدات الرسميّة والسّياسيّةتنوّعت المواقف السّياسيّة والرسميّة، طيلة الشهر الفائت، خصوصًا بين تلك التّي تخوفت من تبعات توسع الصراع الدائر على مقلب الحدود الجنوبيّة إلى الداخل، وانطلقت لوضع حلول مؤقتة وطارئة، لنجدة النازحين من القرى الحدوديّة وتدبير الخطط اللوجستيّة؛ فيما تكّثفت الجهود الدبلوماسيّة لدرء سيناريو الحرب من التّحقق. وبينما كان سواد الوزارات والإدارات الحكوميّة منكبًا للعمل في هذا السّياق، كان وضع اللاجئين يعتمل في زاوية الأولويات، إذ شكل نزوح اللاجئين السّوريين المقيمين في الجنوب، جدليّة لدى عند بعض السّاسة وصنّاع القرار، وصلت حدّ اعتبار أن اللاجئ يقع في المراتب الأدنى من الاهتمام الرسميّ بما يتعلق بالخدمات والمساعدة المقدمة للنازحين.
الأمر الذي تمظّهر بغياب التّدابير الرسميّة لمساعدة اللاجئين، ما تلقفته بعض البلديات التّي منعت تارةً اللاجئين من مغادرة مساكنهم والتماس السّلامة في بلدات أخرى، بينما منعت أخرى دخول النازحين من التّابعية السّوريّة إليها، فيما انحسرت المساعدات المُقدمة للاجئين غير المُرحب بهم في معظم دور الإيواء، بالمفوضيّة وبعض الجمعيات والمنظمات الحقوقيّة والإنسانيّة (راجع "المدن"). وعمدت مؤسسة كهرباء لبنان مؤخرًا إلى تحرير محاضر استيفاء قيم استهلاك الكهرباء من مخيمات اللاجئين (بحجة تقاضيهم من المفوضيّة مبالغة مخصصة لذلك)، في ظرفٍ اعتبره المراقبون حساساً ويضع اللاجئين أمام ضغط جديد، خصوصًا أن نذراً ضئيلاً منهم من يتقاضى مساعدات أصلًا من المفوضيّة.
هذا ويعود الحديث عن "داتا اللاجئين" ليتصدر لائحة المطالب الرسميّة بحجة أن تسلم الداتا كفيلٌ بحلّ "أزمة اللجوء" (بالرغم أن كل التّحليلات العمليّة أثبتت عكس ذلك)، ويستمر معه التّهديد والوعيد بحال لم تُسلم المفوضيّة الداتا مطلع الشهر الحاليّ. وقد سبق وأكدّت المفوضيّة لـ"المدن" أن المفاوضات بهذا الشأن قد وصلت مراحلها النهائيّة، مؤكدّة عبر الناطقة باسمها، ليزا أبو خالد، أن "اقتراح نقل البيانات يقع ضمن الحماية الدوليّة ومعايير حماية البيانات والخصوصّية التّي يتعين على المفوضيّة الالتزام بها، ووفقًا للاتفاقية الموقعة بين المفوضية والحكومة اللبنانية وبموجب اتفاق 8 آب، التزمت الحكومة اللبنانية باحترام مبدأ عدم الإعادة القسريّة والتزاماتها بموجب القانون الدوليّ والمحليّ والتقاسم مع أطراف ثالثة".المستجدات الأمنيّة-القضائيّةلكن للآن لم يُبرهن لبنان أنّه مُلتزم بهذه الاتفاقية وخصوصًا بما يتعلق بالإعادة القسريّة، إذ تستمر حملات التّرحيل التّعسفيّة وآخرها كان وبحسب ACHR اعتقال الجيش اللبناني لاجئًا مقيماً في البقاع، على حاجز عسكري متنقل تابع الجيش في بلدة برّ الياس - قضاء زحلة، وكان سبب الاعتقال "التجوال من دون إقامة شرعية"، علماً أن اللاجئ دخل إلى لبنان سنة 2013 وهو مسجل كلاجئ لدى المفوضية السّامية لشؤون اللاجئين. وقد أشار البيان إلى أنّه تمّ نقله إلى ثكنة عسكريّة على معبر المصنع الحدوديّ وتمّ تسليمه للجانب السّوريّ المتمثل بالفرقة الرابعة - اللواء 18 وانقطعت أخباره عن عائلته، التي تتخوف من تعرضه للإخفاء القسري أو التصفية بسبب انشقاقه عن الجيش السوري في عام 2013 هربًا من المشاركة في العمليات العسكريّة حينها.
وقد أشارت المصادر الأمنيّة الميدانيّة لـ"المدن" أن الجيش يقوم وبصورة شبه دوريّة بمداهمات مستمرة لمساكن ومخيمات اللاجئين في البقاع الأوسط والشماليّ بغية "إلقاء القبض على المخالفين"، وتحديدًا في المخيمات التّي تقع ضمن نطاق قضاء زحلة، بينما تتكثف الإجراءات الأمنيّة في الحواجز المنتشرة على امتداد قضاء بعلبك.
ولا يزال التوتر الحدودي قائمًا، تصاحبه جهود مكثّفة من الجيش اللّبنانيّ للحؤول دون "التّسلل" السّوريّ عبر المعابر غير الشرعيّة الممتدة على طول الحدود اللّبنانيّة-السّوريّة شمالًا وشرقًا (راجع "المدن"). وأشارت البيانات الصادرة عن قيادة الجيش إلى تمكّن أفواج الحدود البريّة بتاريخ 28 تشرين الثاني في "صدّ محاولة تسلّل لـ600 سوريّ نحو الداخل اللبنانيّ". واللافت هو أن هذه المحاولات قد قابلتها وبعد يومين فقط، محاولة لهروب 108 لاجئ سوريّ من لبنان عبر البحر، فيما اعترضت القوات البحريّة المركب المتجه نحو السّواحل الأوروبّية قبالة ساحل مدينة طرابلس.
وهذ ما يُعيدنا إلى المأزق الأساس والذي يتناقض مع ما تبثه السّلطات، أن اللاجئين طامعون "بجنة لبنان الاقتصاديّة"، بينما الحال هو أن لبنان نقطة مؤقتة يطمح اللاجئون للهرب منها باتجاه أوروبا.
وفي سياقٍ موازٍ، نشرت المديريّة العامة لقوى الأمن الداخليّ عن تمكن مكتب مكافحة الإتجار بالأشخاص وحماية الآداب في وحدة الشّرطة القضائيّة اعتراض نشاط شبكات لتسهيل الدّعارة والإتجار بالأشخاص في داخل أحد المباني في جلّ الدّيب، حيث كانت تقوم هذه الشّبكات باستغلال عدد من الفتيات عبر تأمين زبائن لهن، لإقامة علاقات جنسيّة، لقاء مبالغ ماليّة، أغلب ضحاياها من العاملات، من التّابعيّة السّوريّة.المستجدات الشعبيّةبالعودة للبلديات، فإن هامش الحريّة الذي أُنيطت به بما يتعلق بملف اللاجئين وتشديد إجراءاتها ضدهم، بموجب القرارات الصادرة عن مجلس الوزراء، أيلول الفائت، والتّي عممها وزير الداخليّة في حكومة تصريف الأعمال على البلديات، قد بات يُستعمل بطريقةٍ وصفتها الجهات الحقوقيّة بالمسيئة، إذ أنّه وبتاريخ 27 تشرين الثاني الفائت، أغلقت مدرسة حدشيت الرسميّة في قضاء بشري شمالي لبنان أبوابها أمام الطلاب السّوريّين اللاجئين المقيمين في المحلة خلال فترة الدوام المسائيّ المّخصص لهم. وقد جاء هذا الإجراء استنادًا إلى قرار صادر عن البلدية، الذي سوغته بـ"عدم رغبة أهالي البلدة في تعليم أطفال اللاجئين في مدارسهم". ونتيجة لهذا القرار، يجد نحو 200 طالب وطالبة سوريّ أنفسهم، محرومين من فرصة التعليم.
الأمر الذي دفع أسرهم إلى توجيه نداءات استغاثة إلى المفوضيّة السّامية لشؤون اللاجئين واليونيسف للتّدخل والبحث عن حلّ. فيما أفادت ACHR في نشرتها الأسبوعيّة أن هذا السّجال يأتي شبيهًا بسياقٍ سابق حين أغلقت بلدية بشري أبوابها أمام الطلاب السّوريّين بشكل غير قانونيّ وتمييزيّ في السّنوات 2018-2019، على الرغم من تلقيها تمويلًا لترميم المدرسة الرسميّة في البلدة من قبل منظمات دوليّة وأمميّة.
على أي حال، وإذ يبدو أن هذه العودة للملف بمثل هذا الصدى متوقعًا، إلا أنّه يطرح تخوفات جديدة، باستغلال السّلطات الظرف الأمني، لتبرير إهمالها للحلول الإنسانيّة والقانونيّة، بل واستهلاكه للحصول على مزيد من الدعم والمال الدوليّ في وقتٍ هي بأمس الحاجة له، لتمويل خطتها الطارئة. فضلًا عن التّخوف من تفاقم هشاشة الفئة اللاجئة وسوء حالها، والذي بات ممكناً جداً بعد قرار الأمم المتحدة بتخفيض الدعم الذي تقدمه للاجئين، مطلع العام المقبل، لنقص التّمويل، الأمر الذي استشرفته "المدن" منذ أشهر (راجع "المدن").
كلمات دلالية: الس الت اللاجئين وري لبنان الل بناني الرسمي |
|
|