"دار الوحي الشريف": مدارس لتصنيع الجهاديين في إدلب
لا تختلف مقاطع الفيديو والصور التي انتشرت لـ"المدارس القرآنية" في محافظة إدلب شمال غربي سوريا، وتظهر فيها فتيات قاصرات يرتدين البرقع والعباءات السوداء وهنن يرددن شعارات إسلامية خلال الاصطفاف الصباحي، عن مقاطع الفيديو التي تنتشر للتلاميذ من الفئة العمرية نفسها في مناطق سيطرة النظام السوري وهم يرددون شعارات حزب البعث خلال الاصطفاف ذاته، إلا ربما في استبدال اسم الرئيس بشار الأسد باسم النبي محمد.
المشاهد محزنة بالطبع، ليس فقط لأنها تظهر أطفالاً تتم أدلجتهم كي ينفذوا الأوامر بوصفهم جنوداً مستقبليين يخدمون قادتهم الجهاديين فقط، بل لأن تلك المدارس ليست جديدة، إنما تأسست العام 2017، ما يعني أن هذه النوعية من المشاهد كانت يومية لأكثر من 6 سنوات من دون تصدرها المشهد العام، لأن معظم ما كان يصدر عن "هيئة تحرير الشام" منذ فك ارتباطها الشكلي بتنظيم "القاعدة" العام 2016 عندما عرفت باسم "جبهة النصرة"، حاول رسم صورة زائفة عن التنظيم الذي يحكم مساحات واسعة من سوريا، بوصفه جزءاً من الثورة السورية المدني، بما في ذلك استبدال زعيم التنظيم أبو محمد الجولاني ملابسه المرتبطة بخلفية دينية ببزة رسمية ولقاءاته مع الإعلام الغربي.
فيديو متداول للاصطفاف الصباحي لطالبات إحدى المدارس بمدينة سلقين في إدلب. pic.twitter.com/CrtFb1ma5y
— همام عيسى (@humam__isa) December 3, 2023
وحتى عندما كانت "الهيئة" تصر على القول أن الشريعة الإسلامية هي الأيديولوجيا الوحيدة التي يمكن بها حكم المجتمع، فإنها كانت تقدم ذلك بعيداً من الصراحة الفجة الظاهرة في مقاطع غسل أدمغة الأطفال في مدارسها الدينية بهذا الشكل، علماً أن اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة، تنص على حق الطفل بالتعلم من دون استغلال، واحترام حرية الطفل وحقه في الحياة والنمو، لكن تلك الحالة المثالية لا تتوافر في سوريا ككل، وليس فقط في إدلب.وبعدما سيطرت "هيئة تحرير الشام" على إدلب، أسست العام 2017 "دار الوحي الشريف"، وبلغ عدد مدارسها العام 2022، 42 مدرسة في مدن وبلدات مختلفة في المحافظة بحسب تصريحات لمسؤولين فيها لوسائل إعلام تابعة للهيئة الجهادية. وبالطبع فإن مبادئ هذه النوعية من المدارس تقوم على التعليم الديني والفصل بين الجنسين، بما في ذلك تخصيص معلمين ذكور للطلاب الذكور ومعلمات إناث للطالبات الإناث. فيما يتمد التعليم الديني نحو التعليم التحضيري أيضاً مع افتتاح روضات دينية للأطفال الصغار الذين لم يبلغوا سن الست سنوات بعد!
#دار_الوحي_الشريف#المدارس_القرآنيةالاصطفاف الصباحي.المدرسة القرآنية السابعة في #سلقين "نسيبة بنت كعب".#نحو_جيل_قرآني_فريد pic.twitter.com/93u5ktV8dp
— دار الوحي الشريف (@quranicschools1) December 3, 2023
وللمقاربة، كانت محافظة إدلب العام 2021 تضم نحو 400 مدرسة غير دينية تعمل بكوادر تطوعية ومن دون أي دعم، ولسنوات كانت تنتشر صور للأطفال وهم يتلقون دروساً وسط مبان مهدمة أو في خيم أو في ظروف غير ملائمة وسط البرد والمطر والثلوج والحرارة العالية وغيرها. وفي تلك الفترة كان نحو 700 معلم ومعلمة يدرّسون أكثر من 130 ألف طفل يُداومون بشكل جزئي نتيجة نقص الكوادر والعمل التطوعي غير المُلزِم، وبالتالي يعتبر هؤلاء الطلاب بمثابة متسربين جزئياً من التعليم.وبحسب تصريحات صحافية لفريق "منسقو استجابة سوريا" العام الجاري، فإن أكثر من 318 ألف طفل يعانون التسرب التعليمي في مناطق شمال غربيّ سوريا، بينهم 78 ألف طفل يعيشون داخل المخيمات. ولا بديل أمام أولئك سوى التعليم الديني المتشدد أو الحرمان من التعليم ما يعرضهم لاستغلالات مختلفة من بينها العمل في سن صغيرة والزواج المبكر، وغيرها.وبحسب وسائل إعلام معارضة، فإن المدارس الدينية تتبع كلها لـ"هيئة تحرير الشام" وتمتلك مناهج دراسية خاصة بها، وتستهدف تحديداً أبناء الجهاديين والأيتام فيما تحاول استقطاب أكبر قدر ممكن من الأطفال بتقديم ميزات للأهالي، مثل تدفئة الصفوف المدرسية والحافلات التي تنقل الطلاب، والكلفة شبه المجانية. وأكبر تلك المدارس هي "دار الوحي الشريف" التي ترفع شعار "نحو جيل قرآني فريد" في كافة منشوراتها في "إكس" و"فايسبوك". وتتلقى تلك المدارس دعماً من الضرائب التي تفرضها الهيئة على السكان في إدلب، فيما يعاني التعليم المستقل هناك مصاعب جمّة، منها إضراب المعلمين الذين تطوعوا لسنوات طويلة.ومع تبني "تحرير الشام" لهذه الرسائل اليوم، فإنها ربما تشعر بشيء من الاستقرار مع هدوء المعارك في البلاد التي تعيش تقسيماً غير معلن، بعد فشل الثورة السورية وانجرافها نحو الأسلمة. ومع سيطرة "الهيئة" على إدلب لسنوات وتخلصها من معظم الفصائل الإسلامية المنافسة تدريجياً، وقمعها للأصوات المستقلة والصحافيين والناشطين والمنظمات غير الحكومية، باتت اليوم تشعر بشيء من فائض القوة ربما بشكل يجعلها تستعيد خطابها الأول الذي كان حاضراً بين العامين 2013 و2016.في العام 2015 على سبيل المثال، قدم المخرج مدين ديرية وثائقياً لشبكة "فايس نيوز" الأميركية بعنوان "Inside The Battle" ركز على "جبهة النصرة" من الداخل، والتقى فيه قادة في التنظيم وأساتذة ومدرسين يعملون في مدارس دينية لا تختلف في شيء عن "مدارس الوحي الشريف" اليوم. وفي الفيلم يمكن متابعة الأطفال وهم يتلقون الدروس الجهادية وثقافة الموت والذبح في "المدارس الشرعية" بشكل يماثل تماماً المقاطع المنتشرة عن مدارس إدلب اليوم.ومع هذا التغير في اللهجة التي تقدم بها "تحرير الشام" نفسها، يبدو مستقبل إدلب وهؤلاء الأطفال على حد سواء، مظلماً إلى حد اليأس، وغير قابل للعلاج أيضاً، لأن أولئك الأطفال يشكلون جيلاً كاملاً منزوع البراءة، وأقرب الى مقاتلين صغار، ومشاريع "انغماسيين" مستقبليين. والسؤال هنا يتمحور مجدداً حول ما إذا كان قدر السوريين مقسوماً فعلاً بين الديكتاتورية الأسدية أو الظلامية الجهادية، من دون وجود بدائل أكثر طبيعية وأقل تطرفاً؟ وهي حجة ما زال النظام السوري يستخدمها حتى اليوم في خطابه الدبلوماسي والإعلامي عند حديثه عن شرعيته كجهة حاكمة، رغم كل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها في البلاد بحجة "مكافحة الإرهاب".
#دار_الوحي_الشريف#المدارس_القرآنيةالاصطفاف الصباحي.المدرسة القرآنية السابعة في #سلقين "نسيبة بنت كعب".#نحو_جيل_قرآني_فريد pic.twitter.com/KozaKmUvSJ
— ﺐــداللـــه؏𝕏 (@abdullahmasalmh) December 3, 2023
كما لا بد من التساؤل إن كان المشهد الجهادي الذي أفرزته الثورة السورية، حالة كانت نائمة في المجتمع السوري لعقود، أم أن البيئة السورية في إدلب تحديداً مخطوفة من قبل الجهاديين الساعين لخلق بيئة حاضنة لهم تحديداً عبر التعليم المتشدد. ما يطرح سؤالاً أوسع كان حاضراً في الإعلام العالمي منذ معركة حلب على الأقل: هل قامت الثورة السورية كحركة تمثل صراعاً على السلطة فقط من أجل استبدال حكم علوي بآخر سنّي ضمن مفهوم الهويات الطائفية؟ وهل عارض كثر من السوريين نظام الأسد لأنه في نظرهم "نظام علوي" يحكم غالبية من السنة، فقط؟ وهل كان ذلك الموقف ليتغير لو كان حكم النظام "الأقلوي" أكثر عدالة وأقل إجراماً؟ومهما كان الجواب على تلك الأسئلة، فإن "هيئة تحرير الشام" باتت تسيطر اليوم على التعليم في إدلب وتبسط نفوذها بطرق مختلفة لخلق تلك البيئة الحاضنة الضرورية من أجل استدامة وجودها، خصوصاً أن الهيئة واجهت احتجاجات محلية صغيرة الحجم منذ العام 2020 رفعت شعارات " إدلب حرة حرة والهيئة تطلع برا". واللافت هو تقديم المدارس الدينية عموماً على أنها نصرة للدين ومظهر من مظاهر الدول الحضارية الكبرى التي تسمح بالتعليم الديني في أراضيها!لكن في الواقع، تبدو تلك المدارس مصنعاً لإعداد أجيال جديدة من المقاتلين والجهاديين ولنشر الإيديولوجيا الدينية، مع الإشارة إلى أن فكرتها بحسب تقارير ذات صلة مستوحاة من أحد المجاهدين الفلسطينيين الذين انتقلوا للقتال ضد نظام بشار الأسد قبل سنوات مع تحول البلاد ككل إلى وجهة للجهاد العالمي إثر ثورة العام 2011، فيما يشرف عليها قادة جهاديون حاليون في "تحرير الشام" أو سابقون ممن نشطوا في فصائل جهادية أخرى مثل حركة "أحرار الشام"، وغيرها.هذا التأثر ليس مفاجئاً لأن زعيم الهيئة، الجولاني، أراد خلق تجربة جهادية لا تشبه غيرها بقدر ما تستنسخ تفاصيل من تجارب جهادية مختلفة لتطبيقها ضمن نموذج "جبهة النصرة" مع تطور الحركات الجهادية بشكل مضطرد منذ تسعينيات القرن الماضي، وخصوصاً بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، والحرب العالمية على الإرهاب.ويعني ذلك أن الجولاني الذي أتى من تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق" العام 2011 لتأسيس "النصرة"، لم يعتمد نموذج "القاعدة" الدموي والعنيف الذي تبناه أبو مصعب الزرقاوي في العراق مطلع الألفية، بل استفاد من تجارب "طالبان" و"حزب الله" من أجل خلق قبول على المستوى الشعبي، وتقديم نفسه كجزء من الثورة السورية، ونجح لفترة وجيزة في إقناع كثيرين بالحديث عن عدم استهداف المدنيين حتى لو كانوا موالين للنظام.
هنا ليست أفـغـانستان وليست المناطق التي كانت د1عــش تسيطر عليهاإنها مدينة إدلب السورية الواقعة تحت سيطرة الاحتلال التركي تخريج دفعة من الــمــجــاهــدات القاصرات في إحى المدارس بمدينة سلقين على الحدود السورية التركية بإشراف من مدرسين أتراك pic.twitter.com/CYcH2qrCr5
— Herdemnews (@herdemnews21) December 4, 2023
من الاجتماع الصباحي لمدرسة دار الوحي في سلقين ❤️.مشاهد تغيض الصهاينةفهذه الأجيال هي من تهدد بقائهم .. pic.twitter.com/whJTs1R9UE
— عِمران | Omran (@1IMRAN_Q) November 29, 2023
سرقوا الطفولة ، سرقوا الألوان ، سرقوا الإنسان ، سرقوا كل بهجة بالحياة . سرقوا كل لحظة ممتعة ممكن أن يعيشها هؤلاء الأطفال !هذا الزي المدرسي الأسود لا يمثل أطفال أهل إدلب . إنما يمثل جهلة الفكر والعقل أبواق عصابة الجولاني ، وكُل من يؤيد فكرهم في الشمال السوري .#ادلب #سوريا pic.twitter.com/7q7v5ZE2aH
— 𝙉𝙤𝙪𝙧𝙖 (@N_elWatan) December 2, 2023
المشاهد محزنة بالطبع، ليس فقط لأنها تظهر أطفالاً تتم أدلجتهم كي ينفذوا الأوامر بوصفهم جنوداً مستقبليين يخدمون قادتهم الجهاديين فقط، بل لأن تلك المدارس ليست جديدة، إنما تأسست العام 2017، ما يعني أن هذه النوعية من المشاهد كانت يومية لأكثر من 6 سنوات من دون تصدرها المشهد العام، لأن معظم ما كان يصدر عن "هيئة تحرير الشام" منذ فك ارتباطها الشكلي بتنظيم "القاعدة" العام 2016 عندما عرفت باسم "جبهة النصرة"، حاول رسم صورة زائفة عن التنظيم الذي يحكم مساحات واسعة من سوريا، بوصفه جزءاً من الثورة السورية المدني، بما في ذلك استبدال زعيم التنظيم أبو محمد الجولاني ملابسه المرتبطة بخلفية دينية ببزة رسمية ولقاءاته مع الإعلام الغربي.
فيديو متداول للاصطفاف الصباحي لطالبات إحدى المدارس بمدينة سلقين في إدلب. pic.twitter.com/CrtFb1ma5y
— همام عيسى (@humam__isa) December 3, 2023
وحتى عندما كانت "الهيئة" تصر على القول أن الشريعة الإسلامية هي الأيديولوجيا الوحيدة التي يمكن بها حكم المجتمع، فإنها كانت تقدم ذلك بعيداً من الصراحة الفجة الظاهرة في مقاطع غسل أدمغة الأطفال في مدارسها الدينية بهذا الشكل، علماً أن اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة، تنص على حق الطفل بالتعلم من دون استغلال، واحترام حرية الطفل وحقه في الحياة والنمو، لكن تلك الحالة المثالية لا تتوافر في سوريا ككل، وليس فقط في إدلب.وبعدما سيطرت "هيئة تحرير الشام" على إدلب، أسست العام 2017 "دار الوحي الشريف"، وبلغ عدد مدارسها العام 2022، 42 مدرسة في مدن وبلدات مختلفة في المحافظة بحسب تصريحات لمسؤولين فيها لوسائل إعلام تابعة للهيئة الجهادية. وبالطبع فإن مبادئ هذه النوعية من المدارس تقوم على التعليم الديني والفصل بين الجنسين، بما في ذلك تخصيص معلمين ذكور للطلاب الذكور ومعلمات إناث للطالبات الإناث. فيما يتمد التعليم الديني نحو التعليم التحضيري أيضاً مع افتتاح روضات دينية للأطفال الصغار الذين لم يبلغوا سن الست سنوات بعد!
#دار_الوحي_الشريف#المدارس_القرآنيةالاصطفاف الصباحي.المدرسة القرآنية السابعة في #سلقين "نسيبة بنت كعب".#نحو_جيل_قرآني_فريد pic.twitter.com/93u5ktV8dp
— دار الوحي الشريف (@quranicschools1) December 3, 2023
وللمقاربة، كانت محافظة إدلب العام 2021 تضم نحو 400 مدرسة غير دينية تعمل بكوادر تطوعية ومن دون أي دعم، ولسنوات كانت تنتشر صور للأطفال وهم يتلقون دروساً وسط مبان مهدمة أو في خيم أو في ظروف غير ملائمة وسط البرد والمطر والثلوج والحرارة العالية وغيرها. وفي تلك الفترة كان نحو 700 معلم ومعلمة يدرّسون أكثر من 130 ألف طفل يُداومون بشكل جزئي نتيجة نقص الكوادر والعمل التطوعي غير المُلزِم، وبالتالي يعتبر هؤلاء الطلاب بمثابة متسربين جزئياً من التعليم.وبحسب تصريحات صحافية لفريق "منسقو استجابة سوريا" العام الجاري، فإن أكثر من 318 ألف طفل يعانون التسرب التعليمي في مناطق شمال غربيّ سوريا، بينهم 78 ألف طفل يعيشون داخل المخيمات. ولا بديل أمام أولئك سوى التعليم الديني المتشدد أو الحرمان من التعليم ما يعرضهم لاستغلالات مختلفة من بينها العمل في سن صغيرة والزواج المبكر، وغيرها.وبحسب وسائل إعلام معارضة، فإن المدارس الدينية تتبع كلها لـ"هيئة تحرير الشام" وتمتلك مناهج دراسية خاصة بها، وتستهدف تحديداً أبناء الجهاديين والأيتام فيما تحاول استقطاب أكبر قدر ممكن من الأطفال بتقديم ميزات للأهالي، مثل تدفئة الصفوف المدرسية والحافلات التي تنقل الطلاب، والكلفة شبه المجانية. وأكبر تلك المدارس هي "دار الوحي الشريف" التي ترفع شعار "نحو جيل قرآني فريد" في كافة منشوراتها في "إكس" و"فايسبوك". وتتلقى تلك المدارس دعماً من الضرائب التي تفرضها الهيئة على السكان في إدلب، فيما يعاني التعليم المستقل هناك مصاعب جمّة، منها إضراب المعلمين الذين تطوعوا لسنوات طويلة.ومع تبني "تحرير الشام" لهذه الرسائل اليوم، فإنها ربما تشعر بشيء من الاستقرار مع هدوء المعارك في البلاد التي تعيش تقسيماً غير معلن، بعد فشل الثورة السورية وانجرافها نحو الأسلمة. ومع سيطرة "الهيئة" على إدلب لسنوات وتخلصها من معظم الفصائل الإسلامية المنافسة تدريجياً، وقمعها للأصوات المستقلة والصحافيين والناشطين والمنظمات غير الحكومية، باتت اليوم تشعر بشيء من فائض القوة ربما بشكل يجعلها تستعيد خطابها الأول الذي كان حاضراً بين العامين 2013 و2016.في العام 2015 على سبيل المثال، قدم المخرج مدين ديرية وثائقياً لشبكة "فايس نيوز" الأميركية بعنوان "Inside The Battle" ركز على "جبهة النصرة" من الداخل، والتقى فيه قادة في التنظيم وأساتذة ومدرسين يعملون في مدارس دينية لا تختلف في شيء عن "مدارس الوحي الشريف" اليوم. وفي الفيلم يمكن متابعة الأطفال وهم يتلقون الدروس الجهادية وثقافة الموت والذبح في "المدارس الشرعية" بشكل يماثل تماماً المقاطع المنتشرة عن مدارس إدلب اليوم.ومع هذا التغير في اللهجة التي تقدم بها "تحرير الشام" نفسها، يبدو مستقبل إدلب وهؤلاء الأطفال على حد سواء، مظلماً إلى حد اليأس، وغير قابل للعلاج أيضاً، لأن أولئك الأطفال يشكلون جيلاً كاملاً منزوع البراءة، وأقرب الى مقاتلين صغار، ومشاريع "انغماسيين" مستقبليين. والسؤال هنا يتمحور مجدداً حول ما إذا كان قدر السوريين مقسوماً فعلاً بين الديكتاتورية الأسدية أو الظلامية الجهادية، من دون وجود بدائل أكثر طبيعية وأقل تطرفاً؟ وهي حجة ما زال النظام السوري يستخدمها حتى اليوم في خطابه الدبلوماسي والإعلامي عند حديثه عن شرعيته كجهة حاكمة، رغم كل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها في البلاد بحجة "مكافحة الإرهاب".
#دار_الوحي_الشريف#المدارس_القرآنيةالاصطفاف الصباحي.المدرسة القرآنية السابعة في #سلقين "نسيبة بنت كعب".#نحو_جيل_قرآني_فريد pic.twitter.com/KozaKmUvSJ
— ﺐــداللـــه؏𝕏 (@abdullahmasalmh) December 3, 2023
كما لا بد من التساؤل إن كان المشهد الجهادي الذي أفرزته الثورة السورية، حالة كانت نائمة في المجتمع السوري لعقود، أم أن البيئة السورية في إدلب تحديداً مخطوفة من قبل الجهاديين الساعين لخلق بيئة حاضنة لهم تحديداً عبر التعليم المتشدد. ما يطرح سؤالاً أوسع كان حاضراً في الإعلام العالمي منذ معركة حلب على الأقل: هل قامت الثورة السورية كحركة تمثل صراعاً على السلطة فقط من أجل استبدال حكم علوي بآخر سنّي ضمن مفهوم الهويات الطائفية؟ وهل عارض كثر من السوريين نظام الأسد لأنه في نظرهم "نظام علوي" يحكم غالبية من السنة، فقط؟ وهل كان ذلك الموقف ليتغير لو كان حكم النظام "الأقلوي" أكثر عدالة وأقل إجراماً؟ومهما كان الجواب على تلك الأسئلة، فإن "هيئة تحرير الشام" باتت تسيطر اليوم على التعليم في إدلب وتبسط نفوذها بطرق مختلفة لخلق تلك البيئة الحاضنة الضرورية من أجل استدامة وجودها، خصوصاً أن الهيئة واجهت احتجاجات محلية صغيرة الحجم منذ العام 2020 رفعت شعارات " إدلب حرة حرة والهيئة تطلع برا". واللافت هو تقديم المدارس الدينية عموماً على أنها نصرة للدين ومظهر من مظاهر الدول الحضارية الكبرى التي تسمح بالتعليم الديني في أراضيها!لكن في الواقع، تبدو تلك المدارس مصنعاً لإعداد أجيال جديدة من المقاتلين والجهاديين ولنشر الإيديولوجيا الدينية، مع الإشارة إلى أن فكرتها بحسب تقارير ذات صلة مستوحاة من أحد المجاهدين الفلسطينيين الذين انتقلوا للقتال ضد نظام بشار الأسد قبل سنوات مع تحول البلاد ككل إلى وجهة للجهاد العالمي إثر ثورة العام 2011، فيما يشرف عليها قادة جهاديون حاليون في "تحرير الشام" أو سابقون ممن نشطوا في فصائل جهادية أخرى مثل حركة "أحرار الشام"، وغيرها.هذا التأثر ليس مفاجئاً لأن زعيم الهيئة، الجولاني، أراد خلق تجربة جهادية لا تشبه غيرها بقدر ما تستنسخ تفاصيل من تجارب جهادية مختلفة لتطبيقها ضمن نموذج "جبهة النصرة" مع تطور الحركات الجهادية بشكل مضطرد منذ تسعينيات القرن الماضي، وخصوصاً بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، والحرب العالمية على الإرهاب.ويعني ذلك أن الجولاني الذي أتى من تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق" العام 2011 لتأسيس "النصرة"، لم يعتمد نموذج "القاعدة" الدموي والعنيف الذي تبناه أبو مصعب الزرقاوي في العراق مطلع الألفية، بل استفاد من تجارب "طالبان" و"حزب الله" من أجل خلق قبول على المستوى الشعبي، وتقديم نفسه كجزء من الثورة السورية، ونجح لفترة وجيزة في إقناع كثيرين بالحديث عن عدم استهداف المدنيين حتى لو كانوا موالين للنظام.
هنا ليست أفـغـانستان وليست المناطق التي كانت د1عــش تسيطر عليهاإنها مدينة إدلب السورية الواقعة تحت سيطرة الاحتلال التركي تخريج دفعة من الــمــجــاهــدات القاصرات في إحى المدارس بمدينة سلقين على الحدود السورية التركية بإشراف من مدرسين أتراك pic.twitter.com/CYcH2qrCr5
— Herdemnews (@herdemnews21) December 4, 2023
من الاجتماع الصباحي لمدرسة دار الوحي في سلقين ❤️.مشاهد تغيض الصهاينةفهذه الأجيال هي من تهدد بقائهم .. pic.twitter.com/whJTs1R9UE
— عِمران | Omran (@1IMRAN_Q) November 29, 2023
سرقوا الطفولة ، سرقوا الألوان ، سرقوا الإنسان ، سرقوا كل بهجة بالحياة . سرقوا كل لحظة ممتعة ممكن أن يعيشها هؤلاء الأطفال !هذا الزي المدرسي الأسود لا يمثل أطفال أهل إدلب . إنما يمثل جهلة الفكر والعقل أبواق عصابة الجولاني ، وكُل من يؤيد فكرهم في الشمال السوري .#ادلب #سوريا pic.twitter.com/7q7v5ZE2aH
— 𝙉𝙤𝙪𝙧𝙖 (@N_elWatan) December 2, 2023
كلمات دلالية: إدلب المدارس التعليم السورية تلك الشام كانت تحرير |
|
|