من البلد

أربك التغول الاسرائيلي بالمجازر في قطاع غزة، جميع المقترحات حول إدارة قطاع غزة ما بعد الحرب، حيث لا تستعجل الدول العربية إرسال قوات حفظ السلام إلى هناك في ظل رفض اسرائيلي لإنشاء دولة فلسطينية، فيما تكتنف الضبابية المقترحات الاسرائيلية، حيث لن توافق السلطة الفلسطينية على "إدارة شؤون غزة" من دون حلّ سياسي.
وتطرقت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية في تقرير لها الى السيناريوهات المحتملة للمرحلة اللاحقة، معتبرة أن سؤال "من سيحكم قطاع غزة الذي تحوّل إلى ساحة خراب عندما يتوقف القتال؟" سابق لأوانه، إذ "سواء شهدنا وقفا رسميا لإطلاق النار أو انخفاضا تدريجيا في كثافة العمليات العسكرية، فإن التحديات سوف تكون هائلة".
وبعد 50 يوما من القصف، أشارت تقديرات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إلى أنه تم تدمير نحو 234 ألف منزل، أو ما يعادل 60 بالمئة من المخزون السكني، وأن 80 بالمئة من السكان قد شُردوا. وقالت "لوفيغارو": "إذا افترضنا أن حماس لم تعد في وضع يسمح لها بإدارة الجيب، وفي غياب الجهود المنسقة لإعادة ترسيخ الحد الأدنى من الحكم هناك، فإن كل شيء يشير إلى أن "اليوم التالي" سوف يتسم بأزمة إنسانية وأمنية غير مسبوقة".
وتمتنع اسرائيل عن كشف نواياها، ويدعو اليمين الديني إلى طرد كل أو جزء من السكان الفلسطينيين البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة إلى مصر من أجل إعادة احتلال غزة وإعادة إنشاء المستعمرات اليهودية هناك، لكن الحكومة لم تتبن حتى الآن هذه "الأحلام"، بينما يتمسك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالحذر، مكتفياً بالإشارة إلى أن بلاده ستضطر ربما إلى ممارسة "مسؤولية أمنية شاملة" في غزة لفترة "غير محددة"، كما "لا يُعرف ما هي طبيعة الوجود العسكري الإسرائيلي".
من جانبه، يتحدث وزير الحرب يوآف غالانت عن "منطقة عازلة" محظورة على الفلسطينيين، يمكن أن تمتد إلى مئات من الأمتار ومن المحتمل أن تشمل مناطق حضرية. ومن جانب آخر، وعد مسؤولون آخرون بقطع جميع العلاقات مع القطاع، الذي تزوّده إسرائيل جزئيا بالمياه والكهرباء، والذي كان يُسمح لبعض سكانه بالعمل في دولة الاحتلال قبل الحرب.
السلطة الفلسطينية
في مواجهة هذا الغموض المستمر، أعلن وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن، الذي يعارض أي تهجير إضافي للسكان ولا يرغب في الحديث عن إعادة احتلال القطاع أو تقليص المساحة المخصصة لسكان غزة، أن "الأفضل من الناحية المنطقية أن تتولى سلطة فلسطينية فعالة ومتجددة الحكم، وأيضًا الأمن في قطاع غزة في نهاية المطاف". وإدراكاً منه أن بنيامين نتنياهو لا يريد التحدث في هذا الشأن، فقد حدد أيضاً أن "الترتيبات المؤقتة يمكن أن تشمل دولا معينة في المنطقة"، فضلاً عن "الوكالات الدولية". ويؤكد مصدر إسرائيلي مطلع أن "ضعف السلطة الفلسطينية وفسادها يثير شكوكا جدية حول مدى قدرتها على تولي السلطة دون انتقال في قطاع غزة"، حسبما أفاد موقع "عربي 21" نقلاً عن "لو فيغارو".
تردد فلسطيني
في رام الله، يبدو القادة الفلسطينيون أنفسهم مترددين. فقد صرّح رئيس الوزراء محمد أشتية لصحيفة "الغارديان"، بأنه لن يوافق على "إدارة شؤون غزة" من دون حلّ سياسي "يتضمن الإنشاء الفوري لدولة فلسطينية داخل حدود 4 حزيران/ يونيو 1967". وأضاف دبلوماسي أوروبي أنهم "لا يريدون إعطاء الشعور بالعودة إلى غزة على متن الدبابات الإسرائيلية"، لكنه مع ذلك يشجّع محاوريه على "تحمل مسؤولياتهم". وأضاف أنه "بعد لحظة من الدهشة، يدرك بعض الناس أن الأمر إما أن يحدث الآن أو أنه لن يحدث أبدا. لكنهم يعتقدون أن هذا لن يكون له معنى إلا إذا تمكنوا من إنهاء الاحتلال مرة واحدة وإلى الأبد".
وأشارت الصحيفة إلى أن هذا المنظور، الذي عارضه بنيامين نتنياهو منذ ما يقارب الثلاثين سنة، يبدو غير واقعي في السياق الحالي. ومن المؤكّد أن جو بايدن، مثل إيمانويل ماكرون، قدر بعد فترة وجيزة من مجازر السابع من تشرين الأول/ أكتوبر أن ما يسمى بحل "الدولتين" يظل النتيجة المحتملة الوحيدة للصراع.
ونقلت الصحيفة عن هيو لوفات، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في المركز الأوروبي للعلاقات الخارجية أن "إعادة عملية السلام إلى مسارها الصحيح ستتطلب عملا دبلوماسيا نشطا، ولست متأكدا من أن الولايات المتحدة مستعدة للمشاركة في هذا الأمر، مجازِفةً بالتصادم مع الحكومة الإسرائيلية.
ومن دون انتظار مثل هذا التحول، يرى المحلل أن "أولوية الأوروبيين يجب أن تتمثل في تعزيز السلطة الفلسطينية من خلال السماح لها بتحقيق انتصارات رمزية وملموسة". فهي تقترح، على سبيل المثال، أن تنظر الدول الأعضاء في الاعتراف المنسق بدولة فلسطين، أو حتى فرض عقوبات على الجهات المستوطنة".
أوروبا: حكم مؤقت
وذكرت الصحيفة أنه بالتوازي مع هذا التفكير الأساسي، تعمل العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على سيناريوهات تتضمن الحكم المؤقت لقطاع غزة. وفي مذكّرة تتكون من صفحتين كشف عنها موقع "بوليتيكو"، فقد ذكرت ألمانيا عددا من السبل، بما في ذلك "تدويل غزة تحت مسؤولية الأمم المتحدة" أو الدول العربية، بهدف "انتقال منظم بعناية" نحو إدارة فلسطينية. وفي ظل غياب التنسيق الأوروبي، لا يبدو أن هذا السباق الإبداعي لمستقبل غزة سيُترجم عمليًا في الوقت القريب.
تريث عربي
بالنسبة للدول العربية، لا يبدو أنها تتعجل في إدارة أزمة غزة أو إرسال قوات حفظ السلام إلى هناك، مع المجازفة بالظهور "كشركاء فعليين" لدولة تصر على رفض إنشاء دولة فلسطينية. ومن جهته، قال غوست هلترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية لمجلة "فورين أفيرز": "لقد أشارت حكوماتهم إلى أن شهيّتهم ضئيلة للقيام بهذه المهمة".
وفي ظل غياب حل توافقي، يخشى بعض الخبراء من أن يغرق القطاع في شكل من الفوضى عندما تصمت المدافع. وعلى افتراض أن الجيش الإسرائيلي نجح في تحييد جهاز حركة حماس العسكري، فإنه من غير الواضح كيف يخطط لتفكيك مبنى حكومي يتألف من آلاف الموظفين الحكوميين والمعلمين والقضاة وأفراد الشرطة الخاضعين لسيطرة وثيقة من الإسلاميين.

كلمات دلالية:  غزة هذا قطاع السلطة إدارة ومن فلسطينية أنه